الاثنين، 8 يونيو 2015

القول الفصل في حكم نظم الشعر

الشعر نوع من الكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، فلا يمدح لذاته ولا يذم لذاته، ولكن ينظر إلى مضمون الشعر.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: "وليس في إباحة الشعر خلاف، وقد قاله الصحابة والعلماء، والحاجة تدعو إليه لمعرفة اللغة العربية والاستشهاد به في التفسير، وتعرف معاني كلام تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ويستدل به أيضاً على النسب والتاريخ وأيام العرب" ا.هـ.

فالشعر - شأنه شأن الكلام العادي - حسنه حسن ، و قبيحه قبيح

فلو كانت ألفاظ القصيدة تتناسب مع الإسلام و آدابه فهي حلال ، لا شك .

أما أشعار المجون و الزندقة و الإلحاد ؛ فهي حرام (لا ينكر أحد ذلك) ، حتى و لو كانت غير منظومة .

وأقول : (إن معيار الأخلاق من معايير النقد الأدبي ؛ و هذا المعيار يحاول علمانيو عصرنا تنحيته للأسف)!

و أضيف أيضا : إن شيخ البلاغيين و صيارفة الأدب ((أي نقاد الأدب)) الشيخ عبدالقاهر الجرجاني يقول - ما معناه - : إن الشعر يعبر عن شخصية صاحبه ؛ فالشاعر المتدين المسلم يعبر عن تدينه في شعره ، و الشاعر غير المتخلق بأخلاق الإسلام يعبر عن أخلاقه هذه في شعره ((كل إناء ينضح بما فيه)) .

و هناك قول للإمام ابن حزم رحمه الله ، قسم فيه حكم الاشتغال بالشعر ((أقصد : الشعر الحلال الحسنة ألفاظه)) :

1 - ما زاد عن حده و شغل صاحبه به عن أداء الواجبات و الفروض فهو حرام ((شأن أي شئ يلهي عن ذكر الله)).
2 - ما كان يشغل صاحبه عن حياته و معاشه و عمارة الأرض (لكنه لا يعطله عن الفروض و الواجبات) ، فهذا مكروه .
3 - ما كان في الحدود المتاحة و لا يشغله عن الواجبات و الفروض و الطاعات و حياته و معاشه ، فهذا المستحسن المطلوب .

وقد أنشد كثير من الصحابة الشعر بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحاديثهم في الصحيحين وغيرهما وهي كثيرة، بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم حساناً وغيره بإنشاد الشعر.
وما ورد من ذم الشعراء في القرآن أو ذم الشعر في السنة، فإنما يذم من أسرف وكذب، فالغالب أن الشعراء يقولون الكذب، فيقذفون المحصنات، ويهجون الأبرياء، فوقع الذم على الأغلب، واستثني منهم من لا يفعل ذلك، كما قال سبحانه: (والشعراء يتبعهم الغاوون *ألم تر أنهم في كل واد يهيمون*وأنهم يقولون ما لا يفعلون* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا) [الشعراء-227] 
وما ورد في السنة من ذم حفظ الشعر فالمقصود به الإكثار من ذلك حتى يشغله عن القرآن والسنة والتفقه في الدين، أو ما كان فيه تشبيب بالنساء ونحوه. 

رُوِى أن أحد الصحابة قد أُصِيبَ فى إحدى الغزوات ، وأراد الصحابة تضميد

جراحه ، فلم يفلحوا ، وبقى الدم ينزف حتى جاء حسان بن ثابت رضى

الله عنه وقال :

ائتونى بكافور ، فوضعه على الجرح فتوقف النزف...

فسأله النبى صلى الله عليه وسلم :

من أين اقتبست هذا ياحسان ؟

فقال :
من قول الشاعر :

فكَّـرتُ ليلةَ وَصْلِها فى هَجْرِها *** فَجَـرَتْ مدامـعُ مُقْلَتِى كالعَنْـدَمِ

فَطَفَقْتُ أمسحُ مُقلتى بِخَدِّها *** إذْ عـادةُ الكَافُــورِ إمساكُ الـــدَّمِ

فقال النبى صلى الله عليه وسلم : إنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةٌ

...

قال أبو جعفر النحاس: وقد صار أكثر من مضى يطعن على متعلمي العربية جهلاً وتعدياً، حتى إنهم يحتجون بما يزعمون أن القاسم بن مخيمرة قال: النحو أوله شغلٌ وآخره بغيٌ.
ويحتجون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خيرٌ له من أن يمتلئ شعراً)) .
وبقول الله: {والشعراء يتبعهم الغاوون} .
والمحتج بما ذكرنا جاهلٌ بكتاب الله، غالطٌ في معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الله جل ثناؤه قال: {إلا الذين آمنوا} الآية مستثناةٌ.
والحديث: ((لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً)) قال الشعبي: معناه: من الشعر الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم.
ويروى هذا عن عائشة رضي الله عنها.
وفيه تأويلٌ آخر، وهو اختيار أبي عبيدٍ، أن معنى امتلاء جوفه من الشعر أن يغلب عليه حتى لا يكون فيه فضلٌ لقراءة القرآن ولا لذكر الله، فأما من كان ناظراً في القرآن والذكر فلم يمتلئ جوفه شعراً.
ولولم يكن في هذه الآية إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن من الشعر حكمةً)) . وقوله لحسان: ((يا حسان! أجب عن رسول الله، اللهم أيده بروح القدس)) . لكان فيه كفايةٌ.
وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم الشعر واستحسنه وأثاب قائله، وكذا الصحبة والتابعون، واستشهدوا به في كتاب الله، منهم ابن عباس كما روى أبو داود الطيالسي عن مسمع قال: سمعت عكرمة قال: كان ابن عباس إذا سئل عن شيءٍ من أمر القرآن أنشد فيه شعراً من أشعارهم.
وأما قول القاسم بن مخيمرة، فإن صح فإنه مخالفٌ لقول النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعيه، وما كان كذلك لم يجز لمسلمٍ أن يحتج به. وأيضاً فقوله: أوله شغلٌ وآخره بغيٌ؛ كلامٌ لا معنى له، لأن أول الفقه شغلٌ، وأول الحساب شغلٌ، وآخره بغيٌ، وكذا أوائل العلوم، أفترى الناس تاركين العلوم من أجل أن أولها شغلٌ!؟
وقوله: وآخره بغيٌ، إن كان يريد به أن صاحب النحو إذا حذقه صار فيه زهوٌ واستحقر من يلحن، فهذا موجودٌ في غيره من العلوم من الفقه وغيره في بعض الناس، وإن كان مكروهاً.
وإن كان يريد بالبغي التجاوز في ما لا يحل فهذا كلامٌ محالٌ، لأن النحو إنما هو لتعلم اللغة التي نزل بها القرآن، وهي لغة النبي صلى الله عليه وكلام أهل الجنة وأهل السماء؛ كما قال مقاتل بن حيان: كلام أهل السماء العربية.

...

وقال عمر: من خير صناعات العرب الأبيات يقدمها الرجل بين يدي حاجته، يستنزل بها الكريم، ويستعطف بها اللئيم. (البيان والتبيين للجاحظ)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق