الاثنين، 15 يونيو 2015

اهتمام الإنسان باللغة

يرجع اهتمام الإنسان باللغة إلى عصور سحيقة؛ فقد نقل عن كثير من الأمم والشعوب عنايتُهم باللغة، واشتغالهم بقضاياها، وظواهرها.

وإذا كنا لا نعرف عن الدراسات العربية إلا الجهود التي بذلت بعد ظهور الإسلام - فإن التاريخ قد سجل لنا نبذاً تدل على اهتمامات مبكرة لغير العرب.

فقد نقل عن الهنود اهتمامهم بأصوات لغتهم، ونحوها، ومفرداتها.

وأقدم ما وصل من آثارهم يرجع إلى القرن الخامس قبل الميلاد.

وقد كانت دراساتهم الصوتية مما بني عليه العلم الحديث.

كما أنهم ألفوا في المعاجم.

وكذلك اليونانيون؛ حيث اهتموا باللغة، وألفوا معاجم لغتهم قبل الميلاد، وارتبطت دراستهم اللغوية بالفلسفة.

وكذلك كان للمصريين القدماء، والسريانين، والصينيين اهتمام قديم بالنحو واللغة.

أما العبرانيون فلم يعنوا بها إلا بعد ظهور الإسلام.

وفي القرون الوسطى حتى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي كانت البحوث اللغوية في أوربا محصورة في دائرة الاهتمام باللغتين اليونانية واللاتينية.

وبعد اكتشاف اللغة السنسكريتية وحلِّ رموزها عام 1786م على يد (سير وليم جونز) الذي كان يعمل قاضياً في المحكمة العليا بالبنغال - تبين للباحثين وجود علاقة بين هذه اللغة وبين اليونانية واللاتينية؛ فوجهوا اهتمامهم إلى دراسة أوجه الشبه بين هذه اللغات على ضوء المنهج المقارن، وإلى البحث عن تقسيمات للغات العالم، ومحاولة الوصول لِلغَّة الأولى.

وقد نادى طائفة من علماء اللغة الأوربيين بإهمال البحث في الغيبيات - أي في مسألة نشأة اللغة ونحو ذلك - والاتجاه إلى دراسة اللغة في ذاتها؛ فنشأ ما سمي بـ: (علم اللغة الحديث) وتحددت مناهجه، ومباحثه.

أما العرب فلم يؤثر عنهم قبل الإسلام إلا عنايتهم بالشعر، والخطابة، وقد حفظوا لغتهم من التغيير؛ فعدُّوا الخطأ فيها عيباً يُتعيَّر به، وشهَّروا بأصحاب الفهاهة واللثغة، وأعلنوا بدائع شعرهم وخطبهم في أسواقهم المشهورة أيام مواسم الحج، فكان عِلْمُهُمُ الحقُّ هو أدبَ لُغَتِهم، وهو علمهم العقلي الوحيد؛ فلم يعنوا بجمع اللغة، أو التأليف فيها.

وإنما بدأ اهتمامهم باللغة وعلومها بعد ظهور الإسلام، وأقدم ما روي عنهم في ذلك محاولات تفسير غريب القرآن كتلك المسائل التي دارت في فناء المسجد الحرام بين عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - ونافع ابن الأزرق كما ذكر ذلك السيوطي في كتابه.

وكذلك ما كان من أولى محاولات وضع التي تنسب لأبي الأسود الدؤلي كما ذكر ذلك ابن النديم في الفهرست.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق